حينما
جلست في المقعد المخصص لي في الدرجة الأول من الطائرة التي تنوي الإقلاع
إلى عاصمة دولةٍ غربية ، كان المقعد المجاور لي من جهة اليمين ما يزال
فارغاً ، بل إن وقت الإقلاع قد اقترب والمقعد المذكور ما يزال فرغاً ، قلت
في نفسي : أرجو أن يظل هذا المقعد فارغاً ، أو أن ييسّر الله لي فيه جاراً
طيباً يعينني على قطع الوقت بالنافع المفيد ، نعم أن الرحلة طويلة سوف
تستغرق ساعات يمكن أن تمضي سريعاً حينما يجاورك من ترتاح إليه نفسك ،
ويمكن أن تتضاعف تلك الساعات حينما يكون الأمر على غير ما تريد!
وقبيل
الإقلاع جاء من شغل المقعد الفارغ ... فتاةُ في مَيْعة الصِّبا ، لم
تستطيع العباءة الفضفاضة السوداء ذات الأطراف المزيَّنة أن تخفي ما تميزت
به تلك الفتاة من الرِّقة والجمال .. كان العطر فوَّاحاً ، بل إن أعين
الركاب في الدرجة الأولى قد اتجهت إلى مصدر الرائحة الزكيَّة ، لقد شعرت
حينها أن مقعدي ومقعد مجاورتي أصبحا كصورتين يحيط بهما إطار منضود من
نظرات الرُّكاب ، حينما وجهت نظري إلى أحدهم ... رأيتُه يحاصر المكان
بعينيه ، ووجهه يكاد يقول لي : ليتني في مقعدك ؛ كنت في لحظتها أتذكر قول
الرسول عليه الصلاة والسلام فيما روي عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) ((
ألا وإنَّ طيب الرجال ما ظهر ريحه ، ولم يظهر لونه ، ألا وإن طيب النساء
ما ظهر لونه ولم يظهر ريحه )).
ولا
أدري كيف استطعت في تلك اللحظة أن أتأمل معاني هذا الحديث الشريف ، لقد
تساءلت حينها (( لماذا يكون طيب المرأة بهذه الصفة ))؟
كان
الجواب واضحاً في ذهني من قبل : إن المرأة لزوجها ، ليست لغيره من الناس ،
وما دامت له فإن طيبَها ورائحة عطرها لا يجوز أن يتجاوزه إلى غيره ، كان
هذا الجواب واضحاً ، ولكن ما رأيته من نظرات ركاب الطائرة التي حاصرت
مقعدي ومقعد الفتاه ، قد زاد الأمر وضوحاً في نفسي وسألت نفسي : يا ترى لو
لم يَفُحْ طيب هذه الفتاة بهذه الصورة التي أفعمت جوَّ الدرجة الأولى من
الطائرة ، أكانت الأنظار اللاَّهثة ستتجه إليها بهذه الصورة؟
عندما
جاءت ((خادمة الطائرة )) بالعصير ، أخذت الفتاة كأساً من عصير البرتقال ،
وقدَّمته إليَّ ، تناولته شاكراً وقد فاجأني هذا الموقف ، وشربت العصير
وأنا ساكتٌ ،ونظرات ذلك الشخص ما تزال تحاصرني ، وجَّهت إليه نظري ولم
أصرفه عنه حتى صرف نظره حياءً - كما أظن - ، ثم اكتفى بعد ذالك باختلاس
النظرات إلى الفتاة المجاورة ، ولما أصبح ذلك دَيْدَنَه ، كتبت قصاصة
صغيرة (( ألم تتعب من الالتفات ؟ ))، فلم يلتفت بعدها .
عندما
غاصتْ الطائرة في السحاب الكثيف بعد الإقلاع بدقائق معدودات اتجه نظري إلى
ذالك المنظر البديع ، سبحان الله العظيم ، قلتُها بصوت مرتفع وأنا أتأمل
تلك الجبال الشاهقة من السحب المتراكمة التي أصبحنا ننظر إليها من مكان
مرتفع ، قالت الفتاة التي كانت تجلس بجوار النافذة : إي والله سبحان الله
العظيم ، ووجهتْ حديثها إليَّ قائلة ً إن هذا المنظر يثير الشاعرية
الفذَّة ، ومن حسن حظي أنني أجاور شاعراً يمكن أن يرسم لوحة ًشعرية رائعة
لهذا المنظر ...
لم
تكن الفتاة وهي تقول لي هذا على حالتها التي دخلت بها إلى الطائرة ،
كلا..لقد لملمت تلك العباءة الحريرية ، وذلك الغطاء الرقيق الذي كان
مسدلاً على وجهها ووضعتهما داخل حقيبتها اليدوية الصغيرة ، لقد بدا وجهها
ملوَّناً بألوان الطيف ، أما شعرها فيبدو أنها قد صفَّـفته بطريقة خاصة
تعجب الناظرين ...
قلت
لها : سبحان من علَّم الإنسان ما لم يعلم ، فلولا ما أتاح الله للبشر من
كنوز هذا الكون الفسيح لما أتيحت لنا رؤية هذه السحب بهذه الصورة الرائعة ..
قالت: إنها تدلُّ على قدرة الله تعالى ..
قلت:
نعم تدل على قدرة مبدع هذا الكون و خالقه ،الذي أودع فيه أسراراً عظيمة ،
وشرع فيه للناس مبادئ تحفظ حياتهم وتبلَّـغهم رضى ربهم ،وتنجيهم من عذابه
يوم يقوم الأشهاد.
قالت
: ألا يمكن أن نسمع شيئاً من الشعر فإني أحب الشعر وإن هذه الرحلة ستكون
تاريخية بالنسبة إليَّ ، ما كنت أحلم أن أسمع منك مباشرة ..
لقد تمنَّيتُ من أعماق قلبي لو أنها لم تعرف مَنْ أنا لقد كان في ذهني أشياء كثيرة أريد أن أقولها لها .
وسكتُّ
قليلاً كنت أحاور نفسي حواراً داخلياً مُرْبكاً ، ماذا أفعل ، هل أبدأ
بنصيحة هذه الفتاة وبيان حقيقة ما وقعت فيه من أخطاءٍ ظاهرة ، أم أترك ذلك
إلى آخر المطاف ؟
وبعد تردُّد قصير عزمت على النصيحة المباشرة السريعة لتكون خاتمة الحديث معها.
وقبل أن أتحدث أخرجت من حقيبتها قصاصاتٍ ملوَّنة وقالت : هذه بعض أوراق أكتبها ، أنا أعلم أنها ليست على المستوى الذي يناسب ذوقك ، ولكنها خواطر عبرت بها عن نفسي ...
وقرأت القصاصات بعناية كبيرة ، إني أبحث فيها عن مفتاح لشخصية الفتاة ..
إنها
خواطر حالمة ، هي فتاة رقيقة المشاعر جداً ، أحلامها تطغى على عقلها بشكل
واضح ، لفت نظري أنها تستشهد بأبيات من شعري ، قلت في نفسي هذا شيء جميل
لعل ذلك يكون سبباً في أن ينشرح صدرها لما أريد أن أقول ، بعد أن قرأت
القصاصات عزمت على تأخير النصيحة المباشرة وسمحت لنفسي أن تدخل في حوارٍ
شامل مع الفتاة ..
قلت لها : عباراتك جميلة منتقاة ، ولكنها لا تحمل معنىً ولا فكرة كما يبدو لي ، لم أفهم منها شيئاً ، فماذا أردتِ أن تقولي ...؟
بعد
صمتٍ قالت : لا أدري ماذا أردتُ أن أقول : إني أشعر بالضيق الشديد ، خاصة
عندما يخيَّم عليَّ الليل ، أقرأ المجلات النسائية المختلفة ، أتأمَّل
فيها صور الفنانات والفنانين ، يعجبني وجه فلانة ، وقامة فلانة ، وفستان
علاَّنة ، بل تعجبني أحياناً ملامح أحد الفنانين فأتمنَّى لو أن ملامح
زوجي كملامحه ، فإذا مللت من المجلات اتجهت إلى الأفلام ، أشاهد منها ما
أستطيع وأحسُّ بالرغبة في النوم ، بل إني أغفو وأنا في مكاني ، فأترك كل
شيء وأتجه إلى فراشي ...، وهناك يحدث ما لا أستطيع تفسيره ، هناك يرتحل
النوم ، فلا أعرف له مكاناً .
عجباً
، أين ذلك النوم الذي كنت أشعر به وأنا جالسة ، وتبدأ رحلتي مع الأرق ،
وفي تلك اللحظات أكتب هذه الخواطر التي تسألني عنها ...
(( إنها مريضة )) قلتها في نفسي ، نعم إنها مريضة بداء العصر ؛ القلق الخطير ، إنها بحاجة إلى علاج .
قلت
لها : ولكنَّ خواطرك هذه لا تعبر عن شيء ٍ مما قلت إنها عبارات برَّاقة ،
يبدو أنك تلتقطينها من بعض المقالات المتناثرة وتجمعينها في هذه الأوراق ...
قالت
: عجباً لك ، أنت الوحيد الذي تحدَّثت بهذه الحقيقة ،كل صديقاتي يتحدثن عن
روعة ما أكتب ، بل إن بعض هذه الخواطر قد نشرت في بعض صحفنا ، وبعثَ إلىَّ
المحرِّر برسالة شكر على هذا الإبداع ، أنا معك أنه ليس لها معنى واضح ،
ولكنها جميلة .
وهنا سألتها مباشرة : هل لك هدفٌُ في هذه الحياة ؟!
بدا على وجهها الارتباك ، لم تكن تتوقع السؤال ،
وقبل أن تجيب قلت لها : هل
لك عقل تفكرين به ، وهل لديك استقلال في التفكير ؟ أم أنك قد وضعت عقلك
بين أوراق المجلات النسائية التي أشرت إليها ، وحلقات الأفلام التي ذكرت
أنك تهرعين إليها عندما تشعرين بالملل .
هل أنتِ مسلمة ؟!..
هنا تغيَّر كل شيء ، أسلوبها في الحديث تغيَّر ، جلستها على المقعد تغيَّرت ،
قالت : هل
تشك في أنني مسلمة ؟ ! إني – بحمد الله – مسلمة ٌُ ومن أسرة مسلمة عريقة
في الإسلام ، لماذا تسألني هذا السؤال ، إن عقلي حرٌّ ليس أسيراً لأحد ،
إني أرفض أن تتحدَّث بهذه الصورة .....
وانصرفت إلى النافذة تنظر من خلالها إلى ملكوت الله العظيم ...
لم
أعلق على كلامها بشيء ، بل إنني أخذت الصحيفة التي كانت أمامي وانهمكت في
قراءتها ، ورحلت مع مقال في الصحيفة يتحدث عن الإسلام والإرهاب (( كان
مقالاً طويلاً مليئاً بالمغالطات والأباطيل ، يا ويلهم هؤلاء الذين يكذبون
على الله , ولا أكتمكم أنني قد انصرفت إلى هذا الأمر كلياً حتى نسيت في
لحظتها ما جرى من حوار بيني وبين مجاورتي في المقعد ، ولم أكن أشعر
بنظراتها التي كانت تختلسها إلى الصحيفة لترى هذا الأمر الذي شغلني عن
الحديث معها – كما أخبرتني فيما بعد-، ولم أعد من جولتي الذهنية مع مقال
الصحيفة إلا على صوتها وهي تسألني :
أتشك في إسلامي ؟!
قلت لها : ما معنى الإسلام ؟!
قالت : هل أنا طفلة حتى تسألني هذا السؤال !
قلت لها: معاذ الله بل أنت فتاة ناضجة تمتم النضج ، تُلوِّن وجهها
بالأصباغ ، وتصفِّفُ شعرها بطريقة جيدة ، وتلبس عباءتها وحجابها في بلادها
، فإذا رحلت خلعتها وكأنهما لا يعنيان لها شيئاً ، نعم إنك فتاة كبيرة تحسن اختيار العطر الذي ينشر شذاه في كل مكان ..فمن قال إنك طفلة ... ؟!
قالت : لماذا تقسو عليَّ بهذه الصورة ؟
قلت لها : ما الإسلام ؟ ...
قالت : الدين الذي أرسل الله به محمد صلى الله عليه وسلم
قلت لها : وهو كما حفظنا ونحن صغار (( الاستسلام لله بالتوحيد ، والانقياد له بالطاعة ، و الخلوص من الشرك )) ،
قالت : إي والله ذكرتني ، لقد كنت أحصل في مادة التوحيد على الدرجة الكاملة !
قلت لها : ما معنى (( الانقياد له بالطاعة )) ؟
سكتت قليلاً ثم قالت : أسألك بالله لماذا تتسلَّط عليَّ بهذه الصورة ، لماذا تسيء إليَّ وأنا لم أسئ إليك ؟
قلت لها : عجباً لك ، لماذا تعدّين حواري معك إساءة ؟ أين موطن الإساءة فيما أقول؟
قالت : أنا ذكية وأفهم ما تعني ، أنت تنتقدني وتؤنبني وتتهمني ، ولكن بطريقة غير مباشرة ..
قلت لها : ألست مسلمة ؟
قالت : لماذا تسألني هذا السؤال ؟ إني مسلمة من قبل أن أعرفك ، وأرجوك ألا تتحدث معي مرة أخرى .
قلت لها : أنا متأسف جداً ، وأعدك بألا أتحدث إليك بعد هذا ...
ورجعتُ
إلى صفحات الصحيفة التي أمامي أكمل قراءة ذلك المقال الذي يتجنَّى فيه
صاحبه على الإسلام ، ويقول : إنه دين الإرهاب ، وإن أهله يدعون إلى
الإرهاب ، وقلت في نفسي : سبحان الله ، المسلمون يذبَّحون في كل مكان كما
تذبح الشيِّاه ، ويقال عنهم أهل الإرهاب ...
وقلبتُ صفحة أخرى فرأيت خبراً عن المسلمين في كشمير ، وصورة لامرأة مسلمة تحمل طفلاً ، وعبارة تحت صورتها تقول :
إنهم يهتكون أعراضنا ينزعون الحجاب عنَّا بالقوة وأن الموت أهون عندنا من ذلك ..
ونسيت أيضاً أن مجاورتي كانت تختلس نظرها إلى الجريدة ، وفوجئت بها
تقول : ماذا تقرأ ؟ ..
ولم أتحدث إليها ، بل أعطيتها الجريدة وأشرت بيدي إلى صورة المسلمة الكشميرية والعبارة التي نُقلت عنها ...
ساد الصمت وقتاً ليس بالقصير ، ثم جاءت خادمة الطائرة بالطعام ... واستمر الصمت ...
وبعد أن تجوَّلتُ في الطائرة قليلاً رجعت إلى مقعدي ، وما إن جلست حتى بادرتني مجاورتي قائلة ً : ما كنت أتوقع أن تعاملني بهذه القسوة !..
قلت لها : لا
أدري ما معنى القسوة عندكِ ، أنا لم أزد على أن وجهت إليك أسئلة ً كنت
أتوقع أن أسمع منك إجابة ًعنها ،ألم تقولي إنك واثقة بنفسك ثقة ً كبيرة ؟
فلماذا تزعجك أسئلتي ؟
قالت : أشعر أنك تحتقرني ..
قلت لها : من أين جاءك هذا الشعور ؟
قالت لا أدري .
قلت
لها : ولكنني أدري .. لقد انطلق هذا الشعور من أعماق نفسك ، إنه الشعور
بالذنب والوقوع في الخطأ ، أنت تعيشين ما يمكن أن أسمّيه بالازدواجية ،
أنت تعيشين التأرجح بين حالتين ...
وقاطعتني بحدّة قائلة : هل أنا مريضة نفسياً ؟ ما هذا الذي تقول ؟!
قلت
لها : أرجو ألاَّ تغضبي ، دعيني أكمل ، أنت تعانين من ازدواجيةٍ مؤذية ،
أنتِ مهزومة من الداخل ، لاشك عندي في ذلك ، وعندي أدلّة لا تستطيعين
إنكارها .
قالت مذعورة ً : ما هي ؟
قلت
: تقولين إنك مسلمة ، والإسلام قول وعمل ، وقد ذكرت لك في أول حوارنا أن
من أهم أسس الإسلام (( الانقياد لله بالطاعة )) ، فهل أنت منقادة لله
بالطاعة ؟
وسكتُّ لحظة ً لأتيح لها التعليق على كلامي ، ولكنها سكتتْ ولم تنطق ببنتِ شفةٍ – كما يقولون – وفهمت أنها تريد أن تسمع ،
قلت لها : هذه العباءة ، وهذا الحجاب اللذان حُشرا – مظلومَيْن – في هذه الحقيبة الصغيرة دليل على ما أقول ....
قالت بغضب واضح : هذه أشكال وأنت لا تهتم إلا بالشكل ، المهم الجوهر .
قلت
لها: أين الجوهر؟ ها أنت قد اضطربت في معرفة مدلولات كلمة (( الإسلام ))
الذي تؤمنين به ، ثم إن للمظهر علاقة قوية بالجوهر ، إن أحدهما يدلُّ على الآخر ، وإذا اضطربت العلاقة بين المظهر والجوهر ، اضطربت حياة الإنسان ...
قالت : هل يعني كلامك هذا أنَّ كل من تلبس عباءة ً وتضع على وجهها حجاباً صالحة نقية الجوهر ؟
قلت
لها : كلا ، لم أقصد هذا أبداً ، ولكنَّ من تلبس العباءة والحجاب تحقِّق
مطلباً شرعياً ، فإن انسجم باطنها مع ظاهرها ، كانت مسلمة حقّة ، وإن حصل
العكس وقع الاضطراب في شخصيتها ، فكان نزعُ هذا الحجاب – عندما تحين لها
الفرصة هيِّناً ميسوراً ، إن الجوهر هو المهم ، وأذكِّرك الآن بتلك
العبارة التي نقلتها الصحيفة عن تلك المرأة الكشميرية المسلمة ، ألم تقل :
إن الموت أهون عليها من نزع حجابها ؟ لماذا كان الموت أهون ؟
لأنها
آمنت بالله إيماناً جعلها تنقاد له بالطاعة فتحقق معنى الإسلام تحقيقاً
ينسجم فيه جوهرها مع مظهرها ، وهذا الانسجام هو الذي يجعل المسلم يحقق
معنى قول الرسول عليه الصلاة السلام : (( والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم
حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به )) .
إنَّ
لبس العباءة والحجاب – عندك – لا يتجاوز حدود العادة والتقليد ، ولهذا كان
هيّناً عليك أن تنزعيهما عنك دون تردُّد حينما ابتعدت بك الطائرة عن أجواء
بلدك الذي استقيت منه العادات والتقاليد ، أما لو كان لبسك للحجاب منطلقاً
من إيمانك بالله ، واعتقادك أن هذا أمر شرعي لا يفرّق بين مجتمع ومجتمع ،
ولا بلدٍ وبلدٍ لما كان هيّناً عليك إلى هذه الدرجة .
الازدواجية في الشخصية – يا عزيزتي – هي المشكلة .. أتدرين ما سبب هذه الازدواجية ؟
فظننت أنها ستجيب ولكنها كانت صامتةً ، وكأنها تنتظر أن أجيب أنا عن هذا السؤال..
قلت: سبب هذه الازدواجية الاستسلام للعادات والتقاليد ، وعدم مراعاة أوامر الشرع ونواهيه ،
إنها تعني ضعف الرقابة الداخلية عند الإنسان ،ولهذا فإن من أسوأ نتائجها
الانهزامية حيث ينهزم المسلم من الداخل ، فإذا انهزم تمكن منه هوى النفس ،
وتلاعب به الشيطان ، وظلَّ كذلك حتى تنقلب في ذهنه الموازين ...
لم تقل شيئاً ، بل لاذت بصمت عميق ، ثم حملت حقيبتها واتجهت إلى مؤخرة الطائرة ...
وسألت نفسي تراها ضاقت ذرعاً بما قلت ، وتراني وُفَّقت فيما عرضت عليها ؟
لم أكن – في حقيقة الأمر – أعرف مدى التأثر بما قلت سلباً أو إيجاباً ،
ولكنني كنت متأكداً من أنني قد كتمت مشاعر الغضب التي كنت أشعر بما حينما
توجه إليَّ بعض العبارات الجارحة ، ودعوت لها بالهداية ، ولنفسي بالمغفرة
والثبات على الحق .
.... (يتبع)